الخميس 2015/08/20

آخر تحديث: 15:14 (بيروت)

الفلسطينيون و"الأونروا": تعاقب الأجيال والأزمات

الخميس 2015/08/20
الفلسطينيون و"الأونروا": تعاقب الأجيال والأزمات
حكاية "الأونروا" مع الفلسطينيين، خصوصاً في مجال التعليم بدأت في العام 1950
increase حجم الخط decrease
أعلنت "الأونروا"، أمس، عن بدء العام الدراسي المقبل في مدارسها في الأردن ولبنان وسوريا والضفة الغربية وقطاع غزة في المواعيد المحددة له، بعد أسابيع من التداول بإحتمال تأجيله إلى الشهر الأول من السنة المقبلة، بسبب العجز المالي الذي تعاني منه "الأونروا". وتعد هذه الأزمة الأولى من حيث خطورتها، رغم تراكم عجز المنظمة الدولية منذ سنوات. إلا أنّ حكاية "الأونروا" مع الفلسطينيين، خصوصاً في مجال التعليم بدأت في العام 1950 "في مبانٍ ذات طابق واحد كان اسمها الباراكس"، على ما تقول عائشة رشيد العيسى، الأستاذة المتقاعدة في مدرسة "مرج ابن عامر" التابعة لـ"الأونروا" في صيدا، والتي هُجِّرت من فلسطين في العام 1948، وكانت حينها في السنة الأولى من عمرها. 


وكانت هذه المدارس المسماة بـ"مدارس الأونروا" مسقوفة بـ"الأترنيت". وتذكر الحاجة أمينة الشهابي، التي نزحت من فلسطين إلى صيدا ولها من العمر 5 سنوات، أن أول مدرسة لـ"الأونروا" في مخيم عين الحلوة، حيث تربّت، كانت مكان ما يعرف اليوم بمدرسة "السّموع"، وهي تقع بالقرب من المستشفى الحكومي في صيدا.

أما مراحل التعليم فكانت تصل إلى صف الثاني متوسط فقط، ما أجبر تلاميذاً كثراً حينها على الإنتقال إلى مدارس لبنانية، والعمل من أجل تأمين قسطهم المدرسي. وفي الستينات افتتحت "الأونروا" صفوفاً وصلت حتى "البريفيه". كما قدمت مبالغ بسيطة للتلاميذ حتى إنهائهم مرحلة التعليم الثانوي. أما المدرسون فكانوا من الفلسطينيين الذين حصّلوا تعليمهم في بلدهم الأم، قبل اللجوء.

وتروي العيسى عن والدها أن التعليم كان منتشراً في فلسطين، لكنه لم يكن يتجاوز المستوى الإبتدائي في القرى. أما التعليم المتوسط والثانوي فكان مقتصراً على المدارس الواقعة في المدن الرئيسية مثل القدس والناصرة، لذلك كان التلاميذ يضطرون إلى السفر لاستكمال تعليمهم. وتمكنت "الأونروا"، في ذلك الوقت، من اعداد أجيال متفوقة من الفلسطينيين لدرجة أن المدارس الرسمية كانت تتهافت على استقبال تلاميذها للصفوف الثانوية، كما تقول العيسى. وتضيف متباهية أن تقريراً بريطانياً أقر بأن "الشعب الفلسطيني يضم أعلى نسبة من المتعلمين بين شعوب العالم". فيما يورد الموقع الرسمي لـ"الأونروا" أن "طلاب الأونروا هم من أفضل طلاب المنطقة لناحية المستوى التعلمي".

ولم تكتف "الأونروا" بتوفير التعليم لأطفال اللاجئين بل حاولت تأمين كل حاجياتهم. وتذكر الشهابي الفحوص الطبية الدورية التي كانت تجرى للتلاميذ. عدا عن توزيع الحليب البارد، "الذي لم يكن أحد من التلاميذ يحبه فيرمونه في المراحيض"، وحبوب زيت السمك التي "كنت أضعها تحت لساني، وما إن أغيب عن أعين المشرفين حتى أرميها". كما تذكر الشهابي "المطعم" الذي كان يعد كل المأكولات اللذيذة، وقد كان مشرفو الوكالة يسمحون للتلميذ المريض أو قليل الغذاء بتناول طعام الغداء فيه. ويبدو أن مدينة صيدا كانت تعاني، في ذلك الوقت، من فقر شديد. إذ تذكر الشهابي أحاديثاً لأمها مع نساء صيداويات "كن يحسدن الفلسطينيين على الإعاشات التي كانت تأتيهم بينما هم لا يملكون منها شيئاً. وكانت صناديق الإعاشات تحتوي على نوعية جيدة من الحبوب والمعلبات والجبن وغيرها. وكانت هناك امرأة تزور أمي، فنأخذ منها التين مقابل كيس حبوب".

رغم ذلك، لا تستبعد العيسى احتمال تآمر الأمم المتحدة على الفلسطينيين من خلال إنشاء "الأونروا" بهدف دفعهم إلى نسيان قضيتهم الأساسية، بل وتعتقد أيضاً أن الوكالة تعمدت في فترة ما خفض المستوى التعليمي للشعب الفلسطيني. ولعل بعض الإجراءات التي اتخذتها "الأونروا" في مدارسها في السنوات الأخيرة شكلت "اثباتات" على هذا الاعتقاد. وتشمل هذه الإجراءات، وفق العيسى، ترفيع التلميذ إلى الصف الذي يلي صفه سواء نجح أم رسب، ومنع الأساتذة من تأنيب الطلاب بأي كلمة أو نظرة، وإعطاءهم حق الشكوى على المدرسين لمكتب "الأونروا"، في حال انزعاجهم من احدهم "وهذا ما يمكن ان يؤدي أحياناً إلى الإستغناء عن المدرس خصوصاً أن الوكالة تقف في معظم الأوقات مع التلميذ".

في الوقت عينه، كانت "الأونروا" مقصّرةً في تجهيز المدارس بالوسائل التعليمية الضرورية وتأمين الكتب للتلاميذ، ما دفع مدارس كثيرة إلى فرض رسم تسجيل بسيط على كل تلميذ بموافقة من رئاسة "الأونروا" لتأمين حاجيات المدرسة. ولعل الأجيال المتعاقبة من الفلسطينيين كانت تعي دائماً وجود مثل هذه النظرة السيئة إلى "الأونروا"، إذ تذكر الشهابي محاولات متكررة من قبل التلامذة للاعتراض على "الأونروا" من خلال سيرهم في المدرسة بشعارات ترفض "الإعاشة" وتطالب بالعودة إلى "الأرض".

ولكن يترك قبول الفلسطينيين مساعدات "الأونروا" على الرغم من عدم ثقتهم بنواياها أسئلة معلقة. وتبرر العيسى ذلك بقولها: "الشعب الفلسطيني واعٍ لقضيته على الرغم مما تقدمه الأونروا. بالطبع هناك مخطط، فلو لم تساعد الأونروا الشعب الفلسطيني لكان دائماً في ثورة واحتجاج. لكن بعد أن أصبح تهجيرنا أمراً واقعاً كان لا بد ان نقبل المساعدات لأننا محرومون من العمل في كل الدول العربية ومن أقل حقوقنا، كما في لبنان".

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها